سنواتي الضائعة : رحلة نحو الحياة
في زحمة الحياة يتداخل الزمن كخيوط ملونة بعضها زاهٍ ومشرق والبعض الآخر داكن ومؤلم.
تلك الخيوط تمثل سنوات من عمري، سنوات شهدت أحداثًا وتحديات، بعضها أذكر بوضوح والبعض الآخر يبدو كذكرى ضبابية كأنها ضاعت في زحام الأيام.
تتكون “سنواتي الضائعة” من لحظات شعرت فيها بالضياع، حيث انطفأت الأضواء في قلبي، لكنني أدركت فيما بعد أن الضياع قد يحمل في طياته دروسًا لا تقدر بثمن.
في عمق كل منا تتواجد ذكريات سنوات مضت، تتباين بين الفرح والحزن، الأمل واليأس ، وبعض هذه السنوات تبقى حاضرة في أذهاننا، بينما يغيب بعضها الآخر وكأنها فقدت من ذاكرة الزمن.
“سنواتي الضائعة” ليست مجرد تعبير عن الفقد، بل هي رحلة بحث عن المعاني، عن التجارب التي شكلت شخصياتنا وعن الدروس التي تعلمناها.
الطفولة البريئة
تبدأ قصتي من الطفولة عندما كنت أعيش في بيت أمي وأبي ، حيث كانت البراءة والسعادة تلون كل شيء من حولي وكنت أعيش في عالم من الخيال ، أركض في الحدائق ، أستمتع بأشعة الشمس في أيام الربيع ، أتذكر أنني كنت أستيقظ يوميًا متحمسًا، أبحث عن مغامرات جديدة وكنت أتحدث وألعب مع أصدقائي كما لو أنهم أبطال قصص خيالية .
كانت تلك السنوات مليئة بالضحك والألعاب، لكن سرعان ما نكبر وندرك أن الحياة ليست كما تبدوا وكانت تخبئ لي مفاجآت غير سارة، ومع كل عام ينقضي، كان علي مواجهة الواقع بوجوهه المتعددة ولم يكن الفقد واضحاً في البداية، لكنه بدأ يظهر كظلال تلاحقني، ومع مرور الوقت بدأت تلك البراءة تتلاشى شيئًا فشيئًا.
سنوات المراهقة
ثم جاءت مرحلة المراهقة، تلك السنوات التي تميزت بالقلق والتوتر ، بدأت أشعر بثقل السنوات الضائعة وكانت تلك الفترة مليئة بالتحديات والاختيارات الصعبة.
حاولت بناء هويتي الخاصة ولكن الضغوطات من المحيطين كانت أكبر مما توقعت وأتذكر تلك اللحظات التي كنت أبحث فيها عن القبول والانتماء، وأدركت أنني كنت أضيع جزءًا من نفسي في سبيل إرضاء الآخرين.
كانت هناك أوقات كنت فيها أشعر بالعزلة حتى عندما كنت محاطًا بأصدقائي.
في تلك السنوات كان لدي أحلام كبيرة وكنت أرغب في أن أصبح كاتبًا أعبّر عن مشاعري وأفكاري من خلال الكلمات لكنني وجدت نفسي أضيع في زحمة الواجبات المدرسية ، والمنافسات الاجتماعية، مما جعلني أشعر بالعجز عن تحقيق تلك الأحلام وكلما تذكرت تلك السنوات أشعر بمرارة الوقت الذي ضاع دون أن أحقق ما كنت أطمح إليه.
أخذتني أحلامي بعيدًا حيث رغبت في أن أصبح كاتبًا. كنت أكتب في دفاتري الصغيرة، لكنني لم أكن أجرؤ على مشاركة كتاباتي مع الآخرين وكان هناك شعور دائم بالفشل وكأنني لا أستطيع التعبير عن نفسي كما أريد وهذه المشاعر جعلتني أشعر بأن سنواتي تذهب سدى.
البحث عن الذات
مع مرور الوقت بدأت أستعيد بعضًا من تلك السنوات الضائعة، لكن ليس بالطريقة التي كنت أتوقعها.
كنت أبحث عن ذاتي بين الكتب والأفلام وبدأت أكتب بشكل سري، أطلق العنان لمشاعري وأفكاري ولكن في ذات الوقت كنت أشعر بأنني أفتقد الكثير من التجارب الحياتية وكان هناك جزء مني يريد استكشاف العالم وبينما كان الجزء الآخر يشعر بالخوف من المجهول.
تلك السنوات كانت مليئة بالتجارب السلبية أيضًا وخسائر فشل في العلاقات، والشعور بالوحدة و لكن مع كل تجربة تعلمت درسًا جديدًا ، وتعلمت أن الفقد جزء من الحياة، وأن الألم يمكن أن يكون دافعًا للنمو والتطور. على الرغم من كل ما مررت به، بدأت أرى أن كل لحظة من تلك السنوات ساهمت في تشكيل من أنا اليوم.
النضوج والتقبل
ومع تقدم السنوات بدأت أدرك أن “سنواتي الضائعة” ليست فقط سنوات فقدتها، بل هي أيضًا سنوات تعلمت فيها الكثير. كل قرار خاطئ وكل علاقة فاشلة وكل لحظة شعرت فيها بالعزلة، كانت بمثابة دروس قيمة.
بدأت أقبل نفسي بما فيها من عيوب ومميزات وأدركت أن الحياة ليست مثالية، وأن البحث عن الكمال هو سعي محكوم عليه بالفشل.
تجاوزت تلك الأفكار السلبية وبدأت أرى الحياة من منظور جديد. قررت أن أكون كاتبًا كما كنت أحلم، وأن أستخدم تجاربي لنقل رسائل الأمل والتغيير.
بدأت أكتب عن الفقد والأمل، عن السنوات التي شعرت فيها بالضياع، وكيف تمكنت من إيجاد الطريق في النهاية.
الكتابة أصبحت ملاذي لي وعالمًا أستطيع فيه التعبير عن كل ما يجول في خاطري.
إعادة بناء الذات
في السنوات الأخيرة بدأت أعيد بناء نفسي بطريقة مختلفة، لم أعد أعتبر تلك السنوات ضائعة، بل أرى أنها جزء من الرحلة التي يجب أن أعيشها وكل لحظة من الفرح والحزن، من النجاح والفشل، هي لبنة في بناء شخصيتي.
أصبحت أسعى لتحقيق أحلامي بجدية، وأعمل على تطوير نفسي بشكل مستمر.
لا يزال هناك بعض الألم المرتبط بتلك السنوات، لكنني تعلمت كيف أعيش مع هذا الألم وأصبحت أرى أن الفقد يمكن أن يكون دافعًا للبحث عن الجديد، وأن الذكريات المؤلمة يمكن أن تكون حافزًا للإبداع ومن خلال الكتابة أستطيع أن أشارك رحلتي مع الآخرين، وأن أظهر لهم أن الضياع ليس نهاية الطريق، بل هو بداية جديدة.
خاتمة
في النهاية يمكنني أن أقول إن “سنواتي الضائعة” هي حكاية حياة وليست مجرد فترة من الفقد، بل رحلة مليئة بالتحديات والدروس.
أدركت أن الضياع ليس نهاية الطريق، بل هو بداية جديدة.
أستمر في كتابة قصتي مستلهمًا من الماضي، ومؤمنًا بأن المستقبل يحمل في طياته الفرص التي كنت أبحث عنها طيلة سنواتي.
أصبحت الآن أكثر قدرة على احتضان التحديات، وأكثر فهمًا لنفسي. لقد تعلمت أن السنوات الضائعة ليست فقط سنوات مؤلمة، بل هي جزء من الطريق نحو النجاح والنمو.
أستعد الآن لبناء المستقبل، وأنا مؤمن بأن كل لحظة، مهما كانت صعبة، لها قيمتها ودورها في حياتي .
وتظل السنوات الضائعة حكاية تعلمت منها الكثير ولا تزال تشكل جزءًا من الرحلة المستمرة نحو اكتشاف الذات.
ومع كل يوم يمضي أستمر في استكشاف نفسي وبناء أحلام جديدة، وإعادة كتابة قصتي لأشعر أنني أعيش حياة ذات معنى.